يُعد الإرهاق الوظيفي (Employee Burnout) ظاهرة متنامية في بيئات العمل الحديثة. ورغم أن المصطلح طُرح لأول مرة في السبعينيات من القرن الماضي لوصف حالة الإنهاك بسبب ضغوط العمل المفرطة، إلا أنه لم يحظَ بالاعتراف الرسمي إلا مؤخراً. فقد أدرجت منظمة الصحة العالمية (WHO) الإرهاق الوظيفي عام 2019 ضمن التصنيف الدولي للأمراض كـ«ظاهرة مهنية» مرتبطة بالعمل.
تؤثر هذه الظاهرة سلباً على صحة الموظفين النفسية والجسدية وعلى إنتاجيتهم، مما يجعلها قضية هامة لأصحاب العمل ومديري الموارد البشرية على حد سواء.
أعراض وعلامات الاحتراق الوظيفي
عادة ما يتطور الاحتراق الوظيفي بشكل تدريجي، لكن يمكن ملاحظة مجموعة من الأعراض والعلامات التحذيرية لدى الموظفين. تشمل هذه الأعراض جوانب جسدية ونفسية وسلوكية، ومن أبرزها:
- الإجهاد الجسدي المستمر: شعور بالتعب والإرهاق الدائم وفقدان الطاقة حتى بعد أخذ قسط من الراحة.
- الإنهاك العاطفي والنفسي: يصبح الموظف أقل صبراً وأكثر انفعالاً مع زملائه أو العملاء، ويفقد الحماس أو الشعور بالإنجاز عند تحقيق أهداف العمل.
- تراجع الأداء والإنتاجية: صعوبة في التركيز واتخاذ القرارات، مما يؤدي إلى انخفاض جودة العمل وارتفاع معدل الأخطاء.
من المهم للمدراء وزملاء العمل التنبه مبكراً لهذه المؤشرات. فالتعرف على علامات الاحتراق الوظيفي في مراحلها الأولى يساعد على اتخاذ إجراءات تصحيحية قبل تفاقم الحالة. كما أن الموظف نفسه ينبغي أن يكون واعياً لهذه الإشارات التحذيرية في سلوكه أو شعوره، وألا يتردد في طلب المساعدة أو التحدث مع المسؤولين عند استشعارها.
أسباب وعوامل الإرهاق الوظيفي
يحدث الإرهاق الوظيفي عادة نتيجة تراكم مجموعة من العوامل المرتبطة ببيئة العمل وظروفه. فيما يلي أبرز الأسباب والعوامل التي تساهم في ظهور الإرهاق لدى الموظفين:
- عبء العمل المفرط: يُعتبر العمل لساعات طويلة أو مواجهة كم هائل من المهام بفترات زمنية ضيقة سبباً رئيسياً للإجهاد والإرهاق الوظيفي. عندما يشعر الموظف أن المطالب تفوق قدرته الزمنية والبدنية باستمرار، سيؤدي ذلك إلى شعور بالعجز والإجهاد المزمن.
- عدم وضوح الدور وضعف التواصل: غياب التوجيه الواضح من الإدارة وعدم فهم توقعات الوظيفة بشكل جيد يجعل الموظف في حالة ارتباك وتوتر دائم.
- قلة التحكم والدعم في العمل: يشعر الموظفون بالإرهاق عندما يفتقرون للسيطرة على كيفية أداء عملهم أو عند انعدام المرونة في اتخاذ القرارات المتعلقة بوظائفهم. إذا كان الموظف مجرد منفذ بدون مشاركة في اتخاذ القرار، تتراجع روح المبادرة والالتزام لديه. كذلك، ضعف الدعم الإداري يفاقم المشكلة؛ فوجود مدير لا يهتم أو لا يوفر الدعم اللازم يجعل الموظف يشعر بالعزلة.
- ثقافة العمل السلبية أو غير العادلة: بيئة العمل التي تتسم بـغياب العدالة أو التقدير وتفشّي المحسوبية أو سوء المعاملة تؤدي سريعاً إلى إحباط الموظفين. المعاملة غير العادلة في العمل، سواء تمثلت في التمييز والتحيّز أو عدم تقدير الجهد، هي من أكبر مسببات الاحتراق الوظيفي.
- انعدام التوازن بين العمل والحياة: التداخل المستمر بين الحياة المهنية والشخصية هو عامل رئيسي أيضاً. فعدم تمكن الموظف من الفصل بين وقت العمل ووقته الشخصي، كأن يضطر للإجابة على الاتصالات والبريد الإلكتروني خارج الدوام بشكل دائم، يمنعه من إعادة شحن طاقته.
استراتيجيات الحد من الاحتراق الوظيفي والوقاية منه
لمعالجة الاحتراق الوظيفي بفعالية، لا بد من اتباع نهج متكامل يجمع بين مسؤوليات أصحاب العمل وجهود الموظفين أنفسهم. إليك مجموعة من الاستراتيجيات العملية على كلا الجانبين للحد من الإرهاق والوقاية منه قبل أن يتصاعد.
على مستوى المنشآت وأصحاب العمل
- مراقبة ضغوطات العمل ووضع توقعات واقعية: من الضروري التأكد من أن حجم العمل وتوزيع المهام مناسب ولا يتجاوز طاقة الموظفين. راقب عدد الساعات الإضافية واضبط جداول العمل لتجنب الإرهاق الناتج عن العمل المفرط. كما ينبغي تحديد مواعيد نهائية واقعية للمشاريع لتفادي الضغط الزائد غير الضروري. عندما يشعر الموظفون أن عبء العمل تحت السيطرة، يقل شعورهم بالإجهاد تلقائياً.
- تعزيز بيئة عمل داعمة وعادلة: ثقافة الشركة تلعب دور كبير في الوقاية من الإرهاق. احرص على غرس قيم العدالة والاحترام والتقدير في بيئة العمل. تعامل بإنصاف في سياسات الترقيات والمكافآت وتجنب المحسوبية، فذلك يخفف من مشاعر الظلم. كما أن تقدير الإنجازات والاعتراف بجهود الموظفين بشكل منتظم يرفع المعنويات ويعزز ارتباطهم بالعمل مما يقلل احتمال احتراقهم نفسياً.
- تشجيع التوازن بين العمل والحياة الشخصية: يجب على المنشآت أن تشجع موظفيها على أخذ فترات راحة منتظمة خلال اليوم، واستخدام إجازاتهم السنوية بالكامل دون شعور بالذنب. بيئة العمل الصحية هي التي تحترم وقت الموظف خارج الدوام.
- تمكين الموظفين ومنحهم درجة من التحكم: أشرك الموظفين في اتخاذ القرارات المتعلقة بعملهم قدر الإمكان، وامنحهم مساحة من الاستقلالية في تنفيذ مهامهم. عندما يشعر الفرد بأنه يملك زمام أموره ولديه صوت مسموع في مكان العمل، يزيد ذلك من شعوره بالرضا ويخفض مستويات التوتر.
على مستوى الفرد والموظفين أنفسهم
- وضع حدود واضحة بين العمل والحياة الشخصية: على الموظف نفسه مسؤولية حماية وقته الشخصي لمنع استنزافه. يُنصح بوضع حدود زمنية صارمة لنهاية يوم العمل والالتزام بها، وتجنب فحص البريد الإلكتروني أو الرد على الاتصالات بعد ساعات الدوام قدر المستطاع. قول "لا" أحيانًا لتكليفات إضافية تتجاوز طاقتك أو لا تتوافق مع أولوياتك الحالية ليس تصرفاً سلبياً، بل ضرورة للحفاظ على توازنك.
- العناية بالصحة الجسدية والنفسية:احرص على نمط حياة صحي عبر الحصول على قدر كافٍ من النوم (7-8 ساعات ليلاً)، واتباع غذاء متوازن، وممارسة الرياضة بانتظام ولو بشكل خفيف. النشاط البدني حتى لو كان مجرد 10 دقائق مشي يومياً يمكن أن يخفف التوتر ويحسّن المزاج.
- تنظيم الوقت وأخذ فواصل راحة: مهارات إدارة الوقت تساعدك في السيطرة على عبء العمل قبل أن يسيطر هو عليك. ضع قائمة بأولويات المهام وركز على أهمها أولاً. خذ استراحات قصيرة منتظمة أثناء يوم العمل لإعادة شحن طاقتك الذهنية.
- بناء شبكة دعم اجتماعي: لا تواجه الضغوط بمفردك. تحدث مع زملاء موثوقين حول ما تشعر به، فمجرد المشاركة في الحديث تخفف العبء النفسي. تواصل أيضاً مع الأصدقاء وأفراد العائلة بانتظام ولا تهمل حياتك الاجتماعية، فهي مصدر الدعم العاطفي وتذكّرك بأن لديك عالماً خارج نطاق العمل.
- تنمية الشغف وضخ معنى في العمل: حاول إعادة اكتشاف الجوانب التي تحبها في عملك وركز عليها. إن أمكن، تواصل مع مديرك لتعديل بعض المهام بما يتناسب مع اهتماماتك ومهاراتك وتذكّر أن إيجاد هدف ومعنى أعمق في عملك اليومي يحصنك ضد المشاعر السلبية ويجعلك أكثر قدرة على الصمود أمام الضغوط.

حنين ابراهيم
حنين إبراهيم هي رئيسة قسم التواصل في ZenHR، وتتمتع بأكثر من 8 سنوات من الخبرة في التسويق في مجال تكنولوجيا الموارد البشرية. متخصصة في المحتوى التسويقي والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبناء العلامة التجارية، وتؤمن بقوة بـ "قيادة الفكر" ومشاركة الرؤى حول مواضيع الموارد البشرية، والثقافة التنظيمية، وبيئة العمل.