تسعى المملكة العربية السعودية منذ إطلاق رؤية 2030 إلى تعزيز مشاركة المواطنين السعوديين في سوق العمل، وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة. وفي قلب هذه الجهود تأتي "السعودة" كأداة رئيسية، مدعومة بنظام نطاقات الذي يوفّر إطاراً تنظيمياً واضحاً لتطبيق سياسات التوطين في القطاع الخاص ويقدّم نظرة شاملة وعملية لفهم:
- المفهوم الحقيقي للسعودة.
- أهداف السياسة وأسباب إطلاقها.
- آلية عمل نطاقات وتأثيره على المنشآت.
- ما الذي يمكن أن تفعله الشركات لتحويل التوطين إلى استراتيجية ناجحة ومستدامة.
ما هي السعودة؟
السعودة، أو التوطين، هي سياسة أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بهدف رفع نسبة مشاركة المواطنين السعوديين في سوق العمل، وبشكل خاص في القطاع الخاص. ويُطبق ذلك من خلال نظام "نطاقات" الذي يُحدد لكل منشأة نسبة إلزامية لتوظيف سعوديين، بناءً على حجم الشركة وعدد العاملين فيها.
لكن التعريف الحقيقي للسعودة لا يقتصر على الأرقام، بل يمتد إلى تمكين الكفاءات الوطنية، وإعدادهم لأدوار حقيقية، وبناء مستقبل مهني مستدام داخل السوق المحلي.
لماذا أُطلقت سياسة السعودة؟
في العقود الماضية، اعتمدت معظم الشركات على العمالة الوافدة بسبب انخفاض التكاليف وسهولة التوظيف، مما ساهم في ارتفاع معدلات البطالة بين السعوديين، خصوصاً فئة الشباب. أُطلقت سياسة السعودة كرد استراتيجي على هذا الخلل، بهدف:
- خفض معدل البطالة بين المواطنين
- بناء اقتصاد يعتمد على الكفاءات المحلية
- خلق فرص وظيفية مجدية ومستقرة للسعوديين والسعوديات
- تقليص الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل
وبالفعل، انعكست هذه السياسات في انخفاض معدل البطالة إلى 7% بنهاية عام 2024، وهو ما كان مستهدف أصلاً بحلول 2030 ضمن رؤية السعودية 2030.
ما هو برنامج نطاقات؟
هو نظام تصنيفي يُلزم المنشآت بتوظيف عدد محدد من السعوديين حسب نشاط المنشأة وحجمها. وتُصنَّف المنشآت إلى خمس فئات:
ويتم تحديد التصنيف بناءً على:
- النشاط الاقتصادي للمنشأة
- حجم المنشأة وعدد العاملين فيها
- نسبة التوطين المحققة
تُمنح المنشآت ذات التصنيف المرتفع مزايا مثل تجديد رخص العمل، إصدار التأشيرات، ونقل خدمات الموظفين. أما المنشآت المصنفة في النطاق الأحمر فتُمنع من الاستقدام أو فتح فروع جديدة ولا تحصل على أي خدمات من الوزارة.
المنشآت الصغيرة (فئة أ – 5 موظفين أو أقل) تخضع لتصنيف مبسط بنطاقين فقط: أخضر وأحمر. ويُشترط توظيف سعودي واحد على الأقل للبقاء ضمن النطاق الأخضر.
كيف يُحسب مستوى نطاقات؟
- الحساب التقليدي (المتوسط): بناءً على متوسط عدد الموظفين خلال آخر 26 أسبوع، لتقليل تأثير التغييرات المفاجئة.
- الحساب الفوري: يتم تحديث النسبة أسبوعياً، ويُستخدم إذا بقيت المنشأة في النطاق الأخضر المنخفض أو أعلى لمدة 13 أسبوعاً متتالية، أو إذا كانت منشأة جديدة.
علماً بأنه لا يتم حساب كافة الموظفين بنفس الطريقة. هناك حالات تؤثر إيجاباً أو سلباً على نسبة التوطين. فهم تفاصيل نطاقات لا يساعد فقط على الامتثال، بل يُمكّن الشركات من التخطيط الذكي للتوطين وتحقيق أفضل النتائج بأقل مخاطرة.
من الامتثال إلى التمكين: التحدي الحقيقي في السعودة
بالنسبة للعديد من الشركات، تبدأ السعودة كاستجابة لتعليمات الوزارة أو سعياً لتحسين النطاق. لكن الفرق كبير بين الامتثال وبين بناء استراتيجية توطين حقيقية. التوطين الناجح لا يُقاس فقط بالنسب، بل بنوعية الأدوار التي يشغلها السعوديون، ومستوى تأثيرهم، واستمراريتهم في المؤسسة.
السؤال الأهم اليوم ليس "هل بلغت نسبة السعودة المطلوبة؟" فقط، بل:
- هل وفّرت بيئة عمل تمكّن الموظف السعودي من أن ينجح ويقود؟
- هل يُنظر إليه كعنصر فاعل في النمو المؤسسي؟
- وهل لديك الأدوات والنية لتطويره باستمرار، لا فقط استبقاؤه؟
كيف تنتقل السعودة من امتثال إلى استراتيجية مؤسسية؟
تفعيل السعودة بشكل فعّال يتطلب من الشركات أن تتعامل معها كجزء من استراتيجية نمو، وليس مجرد امتثال تنظيمي. فيما يلي خطوات عملية يُمكن لإدارات الموارد البشرية اعتمادها:
إعادة تعريف متطلبات الوظائف: ابدأ بتحليل الوظائف الحالية وتحديد أيّها يمكن سعودته فعلياً دون التأثير على سير العمل. حدّث توصيفات الوظائف لتتناسب مع المهارات المتوفرة محلياً، وادعمها بخطط تدريب لسد الفجوات.
تخصيص ميزانية لتطوير الكفاءات الوطنية: خصص جزءاً من ميزانية التوطين لبرامج تطوير فعالة، مثل التدريب الفني، وبرامج تأهيل الخريجين، أو الشراكة مع "هدف" ومراكز تدريب معتمدة.
ربط السعودة بالأداء التشغيلي: اجعل نسب السعودة من مؤشرات الأداء الرئيسية لمديري الأقسام، واربط تحقيقها بالحوافز الإدارية، لتعزيز الالتزام الجماعي.
إنشاء مسار مهني للسعوديين: عيّن السعوديين في وظائف ترتبط بمسار وظيفي واضح، وشارِكهم خطة التطور المهني منذ البداية لتشجيع التزامهم طويل الأمد.
قياس تجربة الموظف السعودي: نفّذ استبيانات دورية لفهم احتياجات السعوديين في بيئة العمل، من حيث الرضا الوظيفي وفرص التقدم، واستخدم النتائج لتحسين بيئة العمل ورفع نسب الاستبقاء.

حنين ابراهيم
حنين إبراهيم هي رئيسة قسم التواصل في ZenHR، وتتمتع بأكثر من 8 سنوات من الخبرة في التسويق في مجال تكنولوجيا الموارد البشرية. متخصصة في المحتوى التسويقي والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبناء العلامة التجارية، وتؤمن بقوة بـ "قيادة الفكر" ومشاركة الرؤى حول مواضيع الموارد البشرية، والثقافة التنظيمية، وبيئة العمل.