في بيئة العمل الحديثة، لم يعد قسم الموارد البشرية مجرد جهة تنفيذية للسياسات أو وسيطاً بين الإدارة والموظفين، بل أصبح شريكاً استراتيجياً في صياغة مستقبل المؤسسة. ومع تصاعد التحديات المرتبطة بإدارة المواهب، وازدياد تعقيد القرارات المتعلقة بالموظفين، بات من الضروري أن يتحلى مسؤولو الموارد البشرية بمهارات تفكير متقدمة تُمكّنهم من تحليل المعطيات بموضوعية واتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على أسس منطقية.
من بين هذه المهارات، يبرز التفكير الناقد كأحد أبرز المهارات التي تساهم في تحسين جودة القرارات داخل قسم الموارد البشرية، خاصة في مجالات التوظيف، تقييم الأداء، التدريب، والتخطيط الاستراتيجي. في هذا المقال، نسلّط الضوء على مفهوم التفكير النقدي، كيفية توظيفه بفعالية، وأهمية ترسيخه كثقافة مؤسسية داخل إدارات الموارد البشرية.
وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023، يُصنَّف التفكير الناقد ضمن أهم 5 مهارات للمستقبل، ويُتوقّع أن يزداد الطلب عليه بنسبة 73% خلال السنوات الخمس المقبلة.
التفكير الناقد هو عملية ذهنية نشطة ومنظمة تهدف إلى فهم المشكلة أو الموضوع من خلال تحليل المعلومات وتقييمها بشكل موضوعي للوصول إلى أفضل الحلول أو الاستنتاجات الممكن. يتميّز هذا النوع من التفكير بالمنهجية والوضوح والعقلانية، مع التحلّي بالانفتاح الذهني والاعتماد على الأدلة بعيداً عن التحيّز.
يتطلّب التفكير الناقد إتقان مجموعة من المهارات والعناصر الأساسية المترابطة. من أبرز مكونات التفكير الناقد:
يساعد التفكير الناقد في وضع معايير توظيف واضحة وتطبيقها بعدالة على جميع المرشحين، ما يعزز موضوعية التقييم ويقلل من التحيزات الشخصية. من خلال تحليل السير الذاتية ونتائج المقابلات بشكل منطقي، يمكن اتخاذ قرارات توظيف مدروسة وأكثر دقة. أما غياب هذا التفكير فقد يؤدي إلى اختيارات غير مناسبة تؤثر سلباً على جودة التعيين ومصداقية العملية.
لا تقتصر فعالية تقييم الأداء على الأرقام، بل تتطلب نظرة ناقدة تربط النتائج بالسياق والعوامل المؤثرة. التفكير الناقد يتيح فهم أسباب التراجع وتحديد الحلول المناسبة، كبرامج التدريب أو إعادة توزيع المهام، مع تقليل التحيزات الشائعة. وبهذا يكون التقييم أكثر عدالة وواقعية.
من خلال تحليل فجوات المهارات الفعلية، يساعد التفكير الناقد في تصميم برامج تدريب تستهدف الاحتياجات الحقيقية، بدلاً من الاعتماد على الافتراضات العامة. كما يتيح تقييم أثر التدريب لاحقاً لضمان فعاليته، وتعديله إن لزم الأمر لتحقيق نتائج ملموسة.
يُستخدم التفكير الناقد في تحليل البدائل المتاحة عند اتخاذ قرارات كبرى متعلقة بالموارد البشرية، مثل الترقيات أو خطط المكافآت. هذا التحليل يُبنى على بيانات دقيقة، لا على العاطفة أو التسرع، ويأخذ بعين الاعتبار النتائج المتوقعة لكل خيار لضمان العدالة والفعالية.
تبنّي ثقافة التفكير الناقد يعزز قدرة فريق الموارد البشرية على حل المشكلات واتخاذ قرارات مدروسة. كما يشجع على النقاش المفتوح وطرح الأفكار المختلفة، مما يؤدي إلى حلول مبتكرة وقرارات أكثر شمولاً. خلق بيئة عمل قائمة على التفكير النقدي يساهم في احترام الآراء المختلفة، ويعزز التعاون والإبداع، ما ينعكس إيجاباً على أداء المنشأة وتجربة الموظفين على المدى الطويل.