في عام 1890 عندما بدأت الحكومة الأمريكية في تتبع ساعات العمل لأول مرة، عَمِل موظفو التصنيع بدوام كامل بمتوسط 100 ساعة في الأسبوع. لا عجب أنه في تلك الفترة ولدت حركة العمل لثماني ساعات في اليوم. بحلول عام 1926، أصدرت شركة فورد “Ford” أسبوع عمل ذو الخمسة أيام ولمدة 40 ساعة لعمالها في خطوة جريئة من قبل رجل الأعمال هنري فورد. بعد ذلك، جعل قانون معايير العمل العادلة لعام 1938 الأمر رسميًا عن طريق تحديد أسبوع العمل بـ 44 ساعة في الأسبوع (والذي تم تعديله في عام 1940 إلى 40 ساعة في الأسبوع) وبقيت الأمور كما هي منذ ذلك الحين. ويأتي السؤال إن كان يجب أن تظل الأمورعلى هذا النحو؟ وهل يجب أن تسعى الشركات للتطور جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا واحتياجات موظفي اليوم؟
لماذا لا يحدث العمل في مكان العمل؟
بينما تم تصميم يوم العمل من 9 صباحا إلى 5 مساءً في الأصل بشكل يتمحور حول احتياجات عامل التصنيع الأمريكي، لقد تغيرت الأوقات. في هذه الأيام، أكثر من 75% من المشاركين في القوى العاملة عالميا هم من جيل الألفية – مما يجعلهم أكبر جيل في سوق العمل. ما الذي يهتم به جيل الألفية؟ ثلاثة أشياء رئيسية: المرونة والاستقلالية والإنجاز – وهي أمور لا يقدمها يوم العمل من 9 إلى 5. ليس ذلك فحسب، ولكن وجدت دراسة حديثة أنه بينما ينخرط ثلث الموظفين فقط في العمل، فإن تعزيز المشاركة الأمثل يحدث عندما يقضي الموظفون من 60 إلى 80 في المائة من وقتهم (ثلاثة إلى أربعة أيام في الأسبوع) خارج مكان العمل. ولكن لماذا لا يحدث العمل في مكان العمل؟ اجتماعات كثيرة جدا، الكثير من الإلهاء والكثير من المديرين.
اضغط هنا لتشاهد حديث جيسون فرايد عن “لماذا لا يحدث العمل في مكان العمل؟” على منصة TED
هل ساعات العمل هي حقا من 9-5 أم هي حقا 24 ساعة ولسبعة أيام في الأسبوع؟
بينما نتحدث عن يوم العمل من 9 إلى 5 كما لو أننا جميعًا نخضع لجدول ثابث، فإن الموظف العادي يقضي وقتًا طويلاً في العمل خارج تلك الساعات. نظرًا لأن العمل لا يحدث في العمل، يضطر الموظفون إلى القيام بالمزيد والمزيد من العمل خارج أوقات الدوام، مما يترك وقتًا أقل للتوازن ما بين الأسرة والعمل. لقد غيرت التكنولوجيا أيضًا اللعبة تمامًا. لم يعد بإمكانك مغادرة العمل والعودة إلى المنزل ونسيان العمل حتى اليوم التالي. إذا أخذت في الاعتبار اختلافات المنطقة الزمنية واضطررت إلى التواصل مع نظرائك في مكاتب خارجية في بلدان أخرى، فستعمل لساعات إضافية بشكل أكبر. الإرهاق لا يخلق فقط الإجهاد ونقص التوازن، ولكن النوم سيعاني. إن اختلاط وقت التوقف عن العمل ووقت النوم يقلل من التفكير الابتكاري والإبداعي.
تظهر الدراسات التي أجرتها منظمة العمل الدولية أن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تميل إلى العمل لساعات أطول من نظيراتها الأكثر ثراءً، وذلك بسبب سلسلة من العوامل التي تتراوح بين نسبة العاملين لحسابهم الخاص من القوى العاملة إلى انخفاض الأجور وانعدام الأمن الوظيفي والقضايا الثقافية. في أوروبا، من ناحية أخرى، فإن جميع البلدان لديها ساعات عمل أسبوعية قصوى.
العمل عبارة عن مجموعة من المهام التي تقوم بها وليس مكان ما تذهب إليه
فكرة أن العمل عبارة عن مجموعة من المهام التي تقوم بها وليس مكان ما تذهب إليه أصبحت رائجة. تسعى العديد من الشركات حاليا لإرضاء الموظفين، حيث زاد الحديث عن “تجربة الموظف” أو ما يعرف بEmployee Experience. بالنظر إلى حالة الاقتصاد، ليس من المستغرب أن تبدأ الشركات في التركيز على احتياجات الموظفين ووضعها في الصدارة. كون جميع الشركات تحاول إيجاد وسائل لجذب المواهب الجيدة أو الاحتفاظ بها، أصبح هناك المزيد من الوعي عن أهمية المرونة في ساعات العمل حيث يبحث الموظفون المحتملون عن معادلات مختلفة من حيث الامتيازات وجداول العمل المرنة.
لقد رأينا نقلة كبيرة في دوافع الموظفين للبقاء في شركتهم، حيث أنها حاليا تتمحور حول الشعور بالأمان، وفرص النمو، ومرونة العمل – أما الراتب فلم يعد الدافع الأول للبقاء في الوظيفة. في المستقبل لن يكون العمل متمحورا حول عدد الساعات بل بالأحرى حول الكفاءة والمرونة والجودة. يجب أن تركز الشركات على النتائج فقط، بحيث تسمح للموظفين بالعمل بطريقة تناسبهم أكثر دون المساومة على الإنتاجية. في النهاية، ستستفيد الشركات دائمًا من زيادة الإنتاجية.